روائع مختارة | قطوف إيمانية | التربية الإيمانية | قاعدة نافعة.. فما يعتصم به العبد من الشيطان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > التربية الإيمانية > قاعدة نافعة.. فما يعتصم به العبد من الشيطان


  قاعدة نافعة.. فما يعتصم به العبد من الشيطان
     عدد مرات المشاهدة: 2633        عدد مرات الإرسال: 1

قال الإمام العلامة ابن القيم رحمه الله: قاعدة نافعة فما يعتصم به العبد من الشيطان ويستدفع به شره ويحترز منه وذلك في عشرة أسباب:

الحرز الأول: الإستعاذة بالله من الشيطان:

قال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (فصلت:36)

وفي صحيح البخاري عن عدي بن ثابت عن سليمان بن صرد قال: كنت جالسا مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان فأحدهما احمر وجهه وانتفخت أوداجه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب عنه ما يجد) رواه البخاري ومسلم

 الحرز الثاني قراءة سورة الفلق والناس:

فإن لهما تأثيرا عجيبا في الإستعاذة بالله تعالى من شره ودفعه والتحصن منه؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما تعوذ المتعوذون بمثلهما)

وكان e يعوذ بهما كل ليلة عند النوم وأمر عقبة أن يقرأ بهما دبر كل صلاة.

وقال صلى الله عليه وسلم: (إن من قرأهما مع سورة الإخلاص ثلاثا حين يمسي وثلاثا حين يصبح كفته من كل شيء)

 الحرز الثالث: قراءة أية الكرسي:

ففي الصحيح من حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتى آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث فقال إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي فإنه لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدقك وهو كذوب ذاك الشيطان رواه البخاري

 الحرز الرابع: قراءة سورة البقرة:

ففي الصحيح من حديث سهل عن عبدالله عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تجعلوا بيوتكم قبورا وأن البيت الذي تقرأ فيه البقرة لا يدخله الشيطان) رواه مسلم والترمذي

 الحرز الخامس: قراءة خاتمة سورة البقرة:

فقد ثبت في الصحيح من حديث أبي موسى الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه) رواه البخاري ومسلم

 الحرز السادس: أول سورة حم المؤمن إلى قوله تعالى: إليه المصير) مع آية الكرسي:

في الترمذي من حديث عبدالرحمن بن أبي بكر عن ابن أبي مليكة عن زرارة بن مصعب عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ حم المؤمن إلى إليه المصير وآية الكرسي حين يصبح حفظ بهما حتى يمسي ومن قرأهما حين يمسي حفظ بهما حتى يصبح ضعيف وعبدالرحمن المليكي وإن كان قد تكلم فيه من قبل حفظه فالحديث له شواهد في قراءة آية الكرسي وهو محتمل على غرابته

 الحرز السابع: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير:

ففي الصحيحين من حديث سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشرة رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر من ذلك رواه البخاري ومسلم فهذا حرز عظيم النفع جليل الفائدة يسير سهل على من يسره الله تعالى عليه.

 الحرز الثامن: كثرة ذكر الله:

وهو من أنفع الحروز من الشيطان.

ففي الترمذي من حديث الحارث الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها وأنه كاد يبطيء بها فقال عيسى إن الله أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها فإما أن تأمرهم وإما أن آمرهم فقال يحيى أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي أو أعذب فجمع الناس في بيت المقدس فامتلأ وقعدوا على الشرف فقال إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن وأمركم أن تعملوا بهن أولهن أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وأن مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق فقال هذه داري وهذا عملي فاعمل وأد إلي فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك وإن الله أمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت وأمركم بالصيام فإن مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرة فيها مسك فكلهم يعجب أو بعجبه ريحها وإن ريح الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وأمركم بالصدقة فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه وقدموه ليضربوا عنقه فقال أنا أفديه منكم بالقليل والكثير ففدى نفسه منهم وأمركم أن تذكروا الله فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعا حتى أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله قال النبي صلى الله عليه وسلم وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة فإن من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع ومن ادعى دعوى الجاهلية فإنه من حثاء جهنم فقال رجل يا رسول الله وإن صلى وصام قال وإن صلى وصام صحيح فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله)

قال الترمذي هذا حديث حسن غريب صحيح وقال البخاري الحارث الأشعري له صحبة وله غير هذا الحديث فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله وهذا بعينه هو الذي دلت عليه سورة قل أعوذ برب الناس فإنه وصف الشيطان فيها بأنه الخناس والخناس الذي إذا ذكر العبد الله انخنس وتجمع وانقبض وإذا غفل عن ذكر الله تعالى التقم القلب وألقى إليه الوساوس التي هي مباديء الشر كله فما أحرز العبد نفسه من الشيطان بمثل ذكر الله عز وجل

 الحرز التاسع: الوضوء والصلاة:

وهذا من أعظم ما يتحرز به منه ولا سيما عند توارد قوة الغضب والشهوة فإنها نار تغلي في قلب ابن آدم كما في الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم أما رأيتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه فمن أحس بشيء من ذلك فليلصق بالأرض صحيح وفي أثر آخر إن الشيطان خلق من نار وإنما تطفأ النار بالماء ضعيف فما أطفأ العبد جمرة الغضب والشهوة بمثل الوضوء والصلاة فإنها نار والوضوء يطفئها والصلاة إذا وقعت بخشوعها والإقبال فيها على الله أذهبت أثر ذلك كله وهذا أمر تجربته تغني عن إقامة الدليل عليه

 الحرز العاشر: إمساك فضول النظر والكلام والطعام ومخالطة الناس:

فإن الشيطان إنما يتسلط على ابن آدم وينال منه غرضه من هذه الأبواب الأربعة:

فإن فضول النظر يدعو إلى الاستحسان ووقوع صورة المنظور إليه في القلب والاشتغال به والفكرة في الظفر به فمبدأ الفتنة من فضول النظر كما في المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (النظرة سهم مسموم من سهام إبليس فمن غض بصره لله أورثه الله حلاوة يجدها في قلبه إلى يوم يلقاه) ضعيف جدا. أو كما قال صلى الله عليه وسلم

فالحوادث العظام إنما كلها من فضول النظر فكم نظرة أعقبت حسرات لا حسرة كما قال الشاعر:

كل الحوادث مبداها من النظر **** ومعظم النار من مستصغر الشرر

كم نظرة فتكت في قلب صاحبها **** فتك السهام بلا قـوس ولا وتر

وقال الآخر:

وكنت متى أرسلت طرفك *** رائدا لقلبك يوما أتعبتك المناظر

رأيت الذي لا كله أنت قادر *** عليه ولا عن بعضه أنت صابر

وقال المتنبي:

وأنا الذي جلب المنية طرفه *** فمن المطالب والقتيل القاتل

ولي من أبيات:

يا راميا بسهام اللحظ مجتهدا *** أنت القتيل بما ترمي فلا تصب

وباعث الطرف يرتاد الشفاء لَه *** توقه إنه يرتد بالعطب

ترجو الشفاء بأحداق بها مرض *** فهل سمعت ببرء جاء من عطب

ومفنيا نفسه في إثر أقبحهم *** وصفا للطخ جمال فيه مستلب

وواهبا عمره في مثل ذا سفها *** لو كنت تعرف قدر العمر لم تهب

وبائعا طيب عيش ما له خطر *** بطيف عيش من الآلام منتهب

عينت والله غبنا فاحشا فلو اسـ *** ـترجعت ذا العقد لم تغبن ولم تخب

وواردا صفو عيش كله كدر *** أمامك الورد صفوا ليس بالكذب

وحاطب الليل في الظلماء منتصبا *** لكل داهية تدنو من العطب

شاب الصبا والتصابي بعد لم يشب *** وضاع وقتك بين اللهو واللعب

وشمس عمرك قد حان الغروب لها *** والطي في الأفق الشرقي لم يغب

وفاز بالوصل من قد فاز وانقشعت *** عن أفقه ظلمات الليل والسحب

كم ذات التخلف والدنيا قد ارتحلت *** ورسل ربك قد وافتك في الطلب

ما في الديار وقد سارت ركائب من *** تهواه للصب من سكني ولا أرب

فأفرش الخد ذياك التراب وقل *** ما قاله صاحب الأشواق في الحقب

ما ربع مية محفوفا يطوف به *** غيلان أشهى له من ربعك الخرب

ولا الخدود وإن أدمين من ضرج *** أشهى إلى ناظري من خدك الترب

 منازلا كان يهواها ويألفها *** أيام كان منال الوصل عن كثب

فكلما جليت تلك الربوع له *** يهوى إليها هوي الماء في صب

أحيا له الشوق تذكار العهود بها *** فلو دعا القلب للسلوان لم يجب

هذا وكم منزل في الأرض يألفه *** وما له في سواها الدهر من رغب

ما في الخيام أخو وجد يريحك إن *** بثثته بعض شأن الحب فاغترب

وأسر في غمرات الليل مهتديا *** بنفحة الطيب لا بالنار والحطب

وعاد كل أخي جبن ومعجزة *** وحارب النفس لا تلقيك في الحرب

وخذ لنفسك نورا تستضيء به *** يوم اقتسام الورى الأنوار بالرتب

 فالجسر ذو ظلمات ليس بقطعه *** إلا بنور ينجي العبد في الكرب

 والمقصود أن فضول النظر أصل البلاء وأما فضول الكلام فإنها تفتح للعبد أبوابا من الشر كلها مداخل للشيطان فإمساك فضول الكلام يسد عنه تلك الأبواب كلها وكم من حرب جرتها كلمة واحدة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ (وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم) صحيح لغيره وفي الترمذي أن رجلا من الأنصار توفي، فقال بعض الصحابة: طوبى لَه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فما يدريك فلعله تكلم بما لا يعنيه أو بخل بما لا ينقصه) ضعيف.

وأكثر المعاصي إنما تولدها من فضول الكلام والنظر وهما أوسع مداخل الشيطان فإن جارحتيهما لا يملأن ولا يسأمان بخلاف شهوة البطن فإنه إذا امتلأ لم يبق فيه إرادة للطعام.

وأما العين واللسان فلو تركا لم يفترا من النظر والكلام فجنايتهما متسعة الأطراف كثيرة الشعب عظيمة الآفات، وكان السلف يحذرون من فضول النظر كما يحذرون من فضول الكلام وكانوا يقولون: ما شيء أحوج إلى طول السجن من اللسان

وأما فضول الطعام فهو داع إلى أنواع كثيرة من الشر فإنه يحرك الجوارح إلى المعاصي ويثقلها عن الطاعات وحسبك بهذين شرا فكم من معصية جلبها الشبع وفضول الطعام، وكم من طاعة حال دونها فمن وقى شر بطنه فقد وقى شرا عظيما.

والشيطان أعظم ما يتحكم من الإنسان إذا ملأ بطنه من الطعام ولهذا جاء في بعض الآثار (ضيقوا مجاري الشيطان بالصوم) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن) رواه أحمد والترمذي.

ولو لم يكن في الامتلاء من الطعام إلا أنه يدعو إلى الغفلة عن ذكر الله ساعة واحدة جثم عليه الشيطان ووعده ومناه وشهاه وهام به في كل واد فإن النفس إذا شبعت تحركت وجالت وطافت على أبواب الشهوات وإذا جاعت سكنت وخشعت وذلت.

وأما فضول المخالطة فهي الداء العضال الجالب لكل شر وكم سلبت المخالطة والمعاشرة من نعمة وكم زرعت من عداوة وكم غرست في القلب من حزازات تزول الجبال الراسيات. وهي في القلوب لا تزول ففضول المخالطة فيه خسارة الدنيا والآخرة وإنما ينبغي للعبد أن يأخذ من المخالطة بمقدار الحاجة.

ويجعل الناس فيها أربعة أقسام متى خلط أحد الأقسام بالآخر ولم يميز بينهما دخل عليه الشر

أحدها: من مخالطته كالغذاء لا يستغنى عنه في اليوم والليلة فإذا أخذ حاجته منه ترك الخلطة ثم إذا احتاج إليه خالطه هكذا على الدوام وهذا الضرب أعز من الكبريت الأحمر وهم العلماء بالله تعالى وأمره ومكايد عدوه وأمراض القلوب وأدويتها الناصحون لله تعالى ولكتابه ولرسوله ولخلقه فهذا الضرب في مخالطتهم الربح كله

القسم الثاني: من مخالطته كالدواء يحتاج إليه عند المرض فما دمت صحيحا فلا حاجة لك في خلطته وهم من لا يستغنى عنه مخالطتهم في مصلحة المعاش وقيام ما أنت محتاج إليه من أنواع المعاملات والمشاركات والإستشارة والعلاج للأدواء ونحوها فإذا قضيت حاجتك من مخالطة هذا الضرب بقيت مخالطتهم من:

القسم الثالث: وهم من مخالطته كالداء على اختلاف مراتبه وأنواعه وقوته وضعفه فمنهم من مخالطته كالداء العضال والمرض المزمن وهو من لا تربح عليه في دين ولا دنيا ومع ذلك فلا بد من أن تخصر عليه الدين والدنيا أو أحدهما فهذا إذا تمكنت مخالطته واتصلت فهي مرض الموت المخوف ومنهم من مخالطته كوجع الضرس يشتد ضربا عليك فإذا فارقك سكن الألم ومنهم من مخالطته حمى الروح وهو الثقيل البغيض العقل الذي لا يحسن أن يتكلم فيفيدك ولا يحسن أن ينصت فيستفيد منك ولا يعرف نفسه فيضعها في منزلتها بل إن تكلم فكلامه كالعصي تنزل على قلوب السامعين مع إعجابه بكلامه وفرحه به فهو يحدث من فيه كلما تحدث ويظن أنه مسك يطيب به المجلس وإن سكت فأثقل من نصف الرحا العظيمة التي لا يطاق حملها ولا جرها على الأرض

ويذكر عن الشافعي رحمه الله أنه قال: ما جلس إلى جانبي ثقيل إلا وجدت الجانب الذي هو فيه أنزل من الجانب الآخر.

ورأيت يوما عند شيخنا قدس الله روحه رجلا من هذا الضرب والشيخ يحمله وقد ضعف القوى عن حمله فالتفت إلي وقال مجالسة الثقيل حمى الربع. ثم قال لكن قد أدمنت أرواحنا على الحمى فصارت لها عادة أو كما قال  وبالجملة فمخالطة كل مخالف حمى للروح فعرضية ولازمة ومن نكد الدنيا على العبد أن يبتلى بواحد من هذا الضرب وليس له بد من معاشرته ومخالطته فليعاشره بالمعروف حتى يجعل الله له فرجا ومخرجا.

القسم الرابع: من مخالطته الهلك كله ومخالطته بمنزلة أكل السم فإن اتفق لأكله ترياق وإلا فأحسن الله فيه العزاء وما أكثر هذا الضرب في الناس لا كثرهم الله وهم أهل البدع والضلالة الصادون عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الداعون إلى خلافها الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا فيجعلون البدعة سنة والسنة بدعة والمعروف منكرا والمنكر معروفا إن جردت التوحيد بينهم قالوا تنقصت جناب الأولياء والصالحين وإن جردت المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا أهدرت الأئمة المتبوعين.

وإن وصفت الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله من غير غلو ولا تقصير قالوا أنت من المشبهين وإن أمرت بما أمر الله به ورسوله من المعروف ونهيت عما نهى الله عنه ورسوله من المنكر قالوا أنت من المفتنين وإن اتبعت السنة وتركت ما خالفها قالوا أنت من أهل البدع المضلين وإن انقطعت إلى الله تعالى وخليت بينهم وبين جيفة الدنيا قالوا أنت من المبلسين وإن تركت ما أنت عليه واتبعت أهواءهم فأنت عند الله تعالى من الخاسرين وعندهم من المنافقين.

فالحزم كل الحزم التماس مرضاة الله تعالى ورسوله بإغضابهم وأن لا تشتغل بإعتابهم ولا باستعتابهم ولا تبالي بذمهم ولا بغضبهم فإن عين كمالك كما قال:

وإذا أتتك مذمتي من ناقص *** فهي الشهادة لي بأني كامل

وقال آخر:

وقد زادني حبا لنفسي *** أنني بغيض إلى كل امريء غير طائل

 فمن كان بواب قلبه وحارسه من هذه المداخل الأربعة التي هي أصل بلاء العالم وهي فضول النظر والكلام والطعام والمخالطة واستعمل ما ذكرناه من الأسباب التسعة التي تحرزه من الشيطان فقد أخذ بنصيبه من التوفيق وسد على نفسه أبواب جهنم وفتح عليها أبواب الرحمة وانغمر ظاهره وباطنه ويوشك أن يحمد عند الممات عاقبة هذا الدواء فعند الممات يحمد القوم التقي وعند الصباح يحمد القوم السرى والله الموفق لا رب غيره ولا إله سواه. - بدائع الفوائد 2 335-

المصدر: موقع الزوجان